حماية الطفل في قرى الصعيد.. بين التحديات والجهود المبذولة
كتب : طارق فتحي عمار
واقع الأطفال في قرى الصعيد.. معاناة مستمرة
في أعماق صعيد مصر، حيث القرى التي تمتد على ضفاف النيل، والجبل الغربي يواجه الأطفال تحديات متعددة تؤثر على حقوقهم الأساسية في الحياة الكريمة. رغم الجهود الحكومية والمجتمعية، لا تزال هناك قضايا ملحة مثل عمالة الأطفال، التسرب من التعليم، الزواج المبكر، والعنف الأسري، والتي تستدعي تدخلاً عاجلاً لحماية هؤلاء الصغار الذين يمثلون المستقبل.
منذ عقود، كان الأطفال في القرى الفقيرة مثلاً ( قرية الزرابي والبلايزة والاقادمة وباقور ودكران ) وغيرها من القري أكثر عرضة للحرمان من التعليم والانخراط في سوق العمل في سن مبكرة، إما لمساعدة أسرهم أو نتيجة للعادات والتقاليد التي ترى أن التعليم ليس أولوية. كما لا تزال بعض الفتيات يعانين من الزواج المبكر، مما يحرمهن من طفولتهن وحقهن في التعليم.
قوانين وتشريعات.. ولكن هل تُطبق؟
وضعت الدولة المصرية العديد من القوانين لحماية الأطفال، مثل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، والذي يمنع عمالة الأطفال دون سن 15 عامًا، ويحظر الزواج المبكر قبل سن 18 عامًا. كما أطلقت الدولة المجلس القومي للطفولة والأمومة لتوفير الحماية للأطفال، إلى جانب خط نجدة الطفل (16000) لتلقي الشكاوى والتدخل في حالات الانتهاكات.
ورغم هذه التشريعات، إلا أن التطبيق الفعلي لها يواجه العديد من العقبات، منها عدم وعي بعض الأسر بهذه القوانين، وضعف الرقابة في بعض المناطق، فضلًا عن غياب البدائل الاقتصادية التي تساعد الأسر على الاستغناء عن تشغيل أطفالها.
عمالة الأطفال.. أيادي صغيرة في مهن شاقة
في القرى، الجبلية تذهب الاطفال الي شرق العوينات في العمل بمزارع البطاطس يمكن بسهولة رؤية الأطفال يعملون في المزارع البعيدة عن القريه أو في ورش الحدادة والنجارة، وحتى في مواقع البناء، حيث يضطرون لتحمل ظروف عمل قاسية تتجاوز قدرتهم الجسدية. يقول “أحمد”، طفل يبلغ من العمر 12 عامًا، ويعمل في ورشة لإصلاح السيارات:
“اضطررت للعمل بعد وفاة والدي، فأنا الأكبر في الأسرة، وأمي لا تستطيع توفير نفقاتنا. أعمل 10 ساعات يوميًا مقابل مائة جنيهًا، وأتمنى العودة إلى المدرسة، لكن الظروف لاتسمح.”
تلك الظروف تدفع الأطفال إلى ترك التعليم مبكرًا، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاكات. وهنا يأتي السؤال: هل الحل يكمن فقط في فرض عقوبات على أرباب العمل؟ أم أن هناك حاجة لتوفير حلول بديلة للأسر؟
الزواج المبكر.. طفولة مسلوبة
رغم الجهود التوعوية، لا تزال بعض القرى في الصعيد في محافظة اسيوط تشهد حالات زواج مبكر، وايضا مأذون القرية بيكتب عرفي حتي لا يحاسبه القانون حيث تجبر الفتيات على الزواج في سن صغيرة، ما يعرضهن لمخاطر صحية ونفسية. تقول “منى”، فتاة تزوجت في سن 14 عامًا:
“لم أكن أريد الزواج، لكن والدي قال إن الزواج ستر للفتاة، وبعد عام واحد وجدتنفسي أمًا لطفل لا أعرف كيف أتعامل معه.”
ومن هنا حدثت المشكله الاكبر كيف اسجل الطفل في الصحه ، تؤكد الدراسات أن الزواج المبكر يزيد من مخاطر الوفاة أثناء الولادة، كما يؤدي إلى انقطاع الفتاة عن التعليم، ويجعلها غير قادرة على بناء مستقبل مستقل. وهنا تبرز أهمية الدور التوعوي، ليس فقط بين الفتيات، ولكن أيضًا بين الأسر التي ترى الزواج المبكر وسيلة لتخفيف الأعباء المالية.
دور المجتمع المدني.. جهود ولكنها غير كافية
تعمل العديد من المؤسسات الخيرية والجمعيات الأهلية مثل جمعية تنمية باقور للمجتمع على حماية الأطفال في الصعيد، من خلال توفير فرص تعليمية بديلة، ودعم الأسر اقتصاديًا، وتقديم حملات توعية حول مخاطر الزواج المبكر وعمالة الأطفال.
يقول أحد ممثلي الجمعيات العاملة في المجال الاستاذه منار محمد عبد الحافظ من قرية باقور مركز ابوتيج نعمل على توفير منح تعليمية للأطفال المتسربين من التعليم،ونحاول إقناع الأسر بعدم إجبار أبنائهم على العمل، لكن نحتاج إلى دعم حكومي أكبرلتوفير بدائل حقيقية لهذه الأسر.”
الحلول المقترحة.. ماذا بعد؟
لحماية الأطفال في قرى الصعيد، لا بد من اتباع نهج شامل يتضمن:
1. تعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات إعلامية وتثقيفية تستهدف الأسر، توضح مخاطر الزواج المبكر وعمالة الأطفال.
2. توفير الدعم الاقتصادي للأسر الفقيرة عبر برامج تمكين المرأة، والقروض الصغيرة، والمساعدات المالية التي تمنعهم من الاعتماد على دخل الأطفال.
3. تحسين جودة التعليم وإلزامية الحضور في المدارس، مع توفير مدارس قريبة من القرى النائية، وإتاحة التعليم المهني كبديل عملي.
4. تشديد الرقابة القانونية على منتهكي حقوق الأطفال، ( مكتب العمل ) سواء كانوا أصحاب أعمال أو أسر تفرض الزواج المبكر.
خاتمة
وفي النهاية رغم الجهود المبذولة، لا تزال قضية حماية الأطفال في قرى الصعيد تتطلب تكاتفًا أكبر بين الحكومة والمجتمع المدني، إلى جانب وعي مجتمعي أوسع. فالأطفال ليسوا فقط مسؤولية أسرهم، بل هم مستقبل الوطن، وحمايتهم اليوم تعني بناء جيل قادر على النهوض بالمجتمع غدًا.
التعليقات على الموضوع